mercredi 4 juillet 2007

تعريف بكتاب: مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية - يوسف القرضاوي

يؤكد الدكتور يوسف القرضاوي رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين في كتابه "مبادئ في الحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية"، أنه إذا كنا مأمورين بالحوار والجدال مع من يخالفوننا في العقيدة من غير المسلمين فأولى وألزم أن نتحاور مع أبناء التيارات الإسلامية المختلفة الذين يجمعنا بهم أصول العقيدة. على أن الحوار أو التقريب ليس المراد به أن يتنازل كل صاحب مذهب عن مذهبه ليعتنق المذهب الآخر، فهذا ليس مقصودا لأي واحد من الطرفين، إنما المطلوب تصفية الأجواء مما يكدرها من أسباب التوتر وسوء الظن وفقدان الثقة بين الفريقين.

ويضع الشيخ القرضاوي مبادئ عشرة للحوار والتقريب أمام كل قارئ منصف، ليجد فيها الخير لكل أبناء الإسلام على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم؛ لأن الإسلام فوق المذاهب كما أن الأمة فوق الطوائف، ولن يؤتي الحوار أو التقريب ثماره إلا بمراعاتها والاهتمام بها.



* المبدأ الأول: حسن الفهم: والمقصود بحسن الفهم في هذا المقام حسن التعرف على حقيقة موقف الطرف الآخر، ولا يكون ذلك من أفواه العامة ولا من الشائعات، ولا من واقع الناس، بل يجب أن يكون من مصادره الموثقة أو من العلماء الثقات المعروفين؛ فكثيرا ما يكون الواقع غير موافق للشرع، وكم من كلام يردده العامة ويشيع بين الناس، وهو في الحقيقة مجرد أكاذيب وإشاعات لا أصل لها. ومن المهم في هذا الصدد التفريق بين الأصول والفروع، وبين الفرائض والنوافل، وبين المتفق عليه والمختلف فيه، وبين الشائعات والحقائق، وبين ما يلزم الفقه وما يفعله الناس من عند أنفسهم. وأبرز مثال على ذلك مسألة تحريف القرآن؛ حيث يرى بعض علمائهم أن القرآن محرف بمعنى أنه ناقص، ولكن هذا الرأي ليس متفقا عليه عندهم، فهناك من علمائهم من رد عليه وفند شبهاته. وهذا الذي يجب اعتماده لا الآخر؛ لأن هذا الرأي له ما يؤيده من واقعهم، فالمصاحف المطبوعة عندهم هي نفس التي عندنا، وهي نفس التي يُحفِّظونها لأبناءهم ويربونهم عليها حفظا وتدريسا، وهي نفسها التي يستدلون بها على الأحكام الشرعية في العقائد والفقه وغير ذلك. وهذا ما يجعلنا نؤكد على وجوب التفرقة بين المتفق عليه والمختلف فيه الذي ينبني على حسن الفهم عن طريق المصادر الموثوق بها بعيدا عن الشائعات وكلام العوام.






* المبدأ الثاني: حسن الظن: وتحت هذا المبدأ أورد الشيخ نصوصا عديدة من القرآن والسنة يستدل بها على وجوب حسن الظن بالآخر، وتحريم سوء الظن به، فالإسلام يقيم العلاقة بين أبنائه على حسن الظن، ويحمل حال غيره على أحسن المحامل وإن كان يحتمل معنى آخر. ولهذا يرى أن أول ما ينبغي أن نطرحه من طريقنا لكي نقرب بين الأمة بعضها وبعض هو سوء الظن، وأن نغلب فضيلة حسن الظن فيما بيننا كما هو شأن أهل الإيمان، ولا يصح هنا أن نحْمل كل فعل حسن أو تصرف صالح يصدر عن الشيعة على أنه من باب التقية؛ لأن ذلك ضرب من سوء الظن لا مبرر له ولا داعي إليه.






* المبدأ الثالث: التركيز على نقاط الاتفاق: وذكر الشيخ هنا ثلاثة أمور يتفق عليها أهل السنة وأهل الشيعة جميعا، أولاها: الاتفاق على الإيمان بأصول العقائد المعروفة، وثانيها: الاتفاق على الإيمان بالقرآن الكريم، ولا نثير هنا ما ذكره البعض من أنه ناقص أو محرف. وثالثها: الاتفاق على الالتزام بأركان الإسلام وشعائره الكبرى من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت، فالسنة والشيعة متفقون على هذه الأركان، وإن حدث خلاف بينهم فكما يحدث بين المذاهب الفقهية عند أهل السنة. وإذا كان الشيعة لا يعترفون بكتب الحديث المعتمدة عند أهل السنة، فإن معظم ما ثبت عندنا بالسنة ثبت عندهم من طريق رواتهم، والمهم أن الفقهين في النهاية يتقاربان إلى حد كبير؛ لأن المصدر الأصلي واحد وهو الوحي الإلهي، والأهداف الأساسية والمقاصد الكلية للدين واحدة عند الفريقين، وهي إقامة عدل الله ورحمته بين عباده.






* المبدأ الرابع: التحاور في المختلف فيه: يرى الشيخ أنه ينبغي التركيز في الحوار على الجوانب العملية التي يقصد بها أمران: الأول: ما يتعلق بمواقفنا السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فنجتمع حول هدف واحد، ونصدر عن موقف واحد، ونواجه المخططات المعادية بخطة وإستراتيجية واحدة. الثاني: ما يتعلق بالأحكام الفقهية العملية، فالحوار فيها أيسر وأقرب منالا من الأمور العقائدية والكلامية. ومثل هذه المحاورات تكون مجدية ونافعة، فربما أدى تلاقح الأفكار وتفاعل الآراء إلى جلاء نقطة كانت غامضة، أو تقريب مسافة كانت بعيدة، أو الخروج بتفسير يقبله الطرفان، وبخاصة إذا كان الحوار جادًّا ومخلصا في طلب الحقيقة بعيدا عن التعصب والانغلاق.






* المبدأ الخامس: تجنب الاستفزاز: فمتى استخدم أحد الفريقين ألقابا وكلماتٍ وعبارات مثيرةً ومستفزة للطرف الآخر فلن ينجح الحوار أو يثمر طرحه المنشود، وذلك كتسمية أهل السنة للشيعة بـ"الرافضة"، وتسمية أهل الشيعة للسنة بـ"الناصبة". ومن ذلك البعدُ عن الموضوعات ذات الحساسية الخاصة مثل الإساءة إلى الصحابة من قبل الشيعة، ووضع الشيخ هنا نقاطا ينبغي أن يتفقوا عليها: الأولى: أن هذا الذي وقع بين الصحابة أصبح تاريخا طويت صفحاته، وسيسأل الله أصحاب هذه الأفعال عنه ويجزيهم بأعمالهم ونياتهم، ثم علينا أن ننشغل بقضايا واقعنا المرير، ونتكاتف لإصلاحه من الآفات والعقبات التي تقف أمام المصلحين والمجددين. الثانية: أن مسألة السب عموما لا تليق بالمسلم، فليس المسلم بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء، وبخاصة إذا تعلق السب بأناس مثل الصحابة. الثالثة: أن يحرص الفريقان على نقل الأقوال التي من شأنها أن تجمع ولا تفرق، وخاصة كلام العقلاء من علماء الشيعة عن الصحابة، فهذا من شأنه أن يصفي الأجواء، ويوحد الصفوف.






* المبدأ السادس: اجتناب تكفير كل من قال: "لا إله إلا الله": ونقل الشيخ هنا أقوالا لعلماء كبار، منهم: ابن الوزير وابن تيمية والهيثمي، تنكر أشد الإنكار، وتحذر أبلغ التحذير من تكفير الناس بذنب أو خطأ. وذكر في هذا المقام قضية مهمة، وهي أن من ينكر أحاديثَ آحادٍ لشبهة عنده أو تأويل تأوَّله لا يُكفَّر، فهم يردون هذا الحديث أو ذاك لا لينكروا السنة، بل لأنهم رأوه مخالفا لدلالة القرآن الواضحة، أو للأحاديث اليقينية المتواترة، أو للعلم القطعي المؤكد، أو للواقع التاريخي الثابت، أو لدلالة الحس والعقل، أو غير ذلك مما جعله علماء الحديث أنفسهم من دلائل الوضع في الحديث.






* المبدأ السابع: البعد عن شطط الغلاة: ومن المبادئ المهمة في الحوار والتقريب البعد عن الغلاة والمتنطعين والمتطرفين من كلا الفريقين الذين يثيرون الفتن في أحاديثهم وكتاباتهم، ومن أبرز مظاهر الغلو اتهام الغير بالكفر، وإذا كان هناك متخصصون في تكفير المسلمين جميعا، فإن هناك متخصصين في تكفير الشيعة دون غيرهم، وربما أضافوا إليها بعض الطوائف الأخرى، ولهم في ذلك أدلة: أن الشيعة يؤمنون بتحريف القرآن، وينكرون كون السنة مصدرا ثانيا للتشريع، ويسبون الصحابة، ويدّعون العصمة لأئمتهم بل يدعون أنهم أفضل من الأنبياء وأنهم يعلمون الغيب، ولذلك يستغيثون بهم من الكروب، وينذرون لهم النذور، ويقولون "هؤلاء شفعاؤنا عند الله"، و"ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى". ويرد الشيخ كل هذه الأدلة معترفا بما عندهم من أخطاء يجب إزالتها وتعديلها، فالقرآن عندهم هو المحفوظ بين الدفتين، المستنبط منه الأحكام، المقرر عندهم في المناهج، ومصحف إيران هو هو مصحف مصر والسعودية، وأما دعوى تحريف القرآن أو نقصه فهو قول مردود رده المحققون من علمائهم. وأما الشيعة فهم لا يعترفون فعلا بمصادرنا، لكن ما ثبت عندنا ثبت عندهم بطرق أخرى مع اختلاف يسير، أما سب الصحابة فهذا ما ننكره عليهم وإن كان المعتدلون منهم والمحققون من علمائهم ضد هذا، ولا يستحقون عليه التكفير لما لهم فيه من شبهة تأويل. وأما دعوى عصمة الأئمة فنحن نخطئهم في هذا بلا شك؛ لأنه لا عصمة إلا لله ورسوله، ولا نرى فيه كفرا بواحا، وأما ما وقع فيه الشيعة من شرك العوام، فهو موجود عند أهل السنة أيضا، وربما بدرجات متفاوتة. لكن علماء الشيعة لا ينكرون على عوامهم كما ينكر علماء أهل السنة على عوامهم، وهذه ميزة للسنة على الشيعة في هذا الجانب، وأوصي الشيخ هنا بإشاعة أقوال المعتدلين من الفريقين، فهذه الأقوال هي التي يجب أن ننشرها ونذيعها ونثمنها في الوقت الذي نهمل فيه أقول الغلاة ونغض الطرف عنها.






* المبدأ الثامن: المصارحة بالحكمة: فلابد من المصارحة بالمشاكل القائمة والمعلقة والعوائق المانعة ومحاولة التغلب عليها على أن يكون ذلك كله بالحكمة والتدرج والتعاون المفروض شرعا بين المسلمين بعضهم وبعض. ومن ذلك المصارحة بخطورة نشر المذهب الشيعي في بلد كله سني والعكس كذلك، ومراعاة حقوق الأقلية السنية بين الشيعة، والأقلية الشيعية بين السنة كما هو حادث بين الأقباط والمسلمين في مصر، فواقع إيران أو العراق في أشد الحاجة إلى ذلك الآن. فينبغي أن يصارح بعضنا بعضا بمثل هذه الأمور في جو من الإخاء، والإخلاص في طلب الحق، والتجرد من أجل الوصول إلى كلمة سواء.






* المبدأ التاسع: الحذر من دسائس الأعداء: ومن المبادئ المهمة في الحوار والتقريب أن نَحْذر مخططات الأعداء ودسائسهم التي يريدون أن يمزقوا بها شمل الأمة ويفرقوا وحدتهم، فيقولون: مسلم وقبطي، أو سني وشيعي، فإذا لم يجدوا شيئا من ذلك قالوا: قومي وإسلامي، أو يميني ويساري، أو ثوري وليبرالي.. إلى آخر هذه التقسيمات. فالأمة بكل طوائفها ومذاهبها مدعوة لأن تستيقظ من نومها وأن تقف وقفة طويلة مع نفسها للمراجعة والتقويم خاصة بعد ما حدث في العراق لتعرف من لها ومن عليها، ومن صديقها ومن عدوها، وليواجهوا القوة الطاغية والفرعونية الجديدة التي تقول للناس: أنا ربكم الأعلى.






* المبدأ العاشر: ضرورة التلاحم في وقت الشدة: وليس هناك وقت أشد على الأمة الإسلامية من الوقت الذي تحياه في هذا العصر، وبخاصة بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001م التي أدخلت العالم كله في امتحان عسير وموقف خطير يستوجب منها عامة، ومن علمائها ودعاتها وفصائل صحوتها خاصة أن يتوحدوا ويتجمعوا، وينحوا جانبا خلافاتهم الجانبية ومعاركهم الهامشية، ويقفوا يدا واحدة وصفا واحدا أمام الأخطار التي تهدد شخصيتها وعقيدتها. وقد رأينا غير المسلمين يتوحدون ويتناسون خلافاتهم، وقبل ذلك رأينا التقارب بين المذاهب المسيحية بعضها وبعض، بل رأينا التقارب بين المسيحية واليهودية برغم العداء التاريخي بينهما حتى أصدر الفاتيكان وثيقته الشهيرة بتبرئة اليهود من دم المسيح.






وبعد فهذه هي المبادئ العشرة التي رأى فيها إمام التقريب وفقيه العصر الشيخ يوسف القرضاوي أسسا وأصولا للحوار والتقريب بين المذاهب الإسلامية يمكن أن تُستثمر في الحوار والتقريب بين دوائر أخرى قد تكون أكبر من المذاهب الإسلامية مثل الحوار والتقريب بين أهل الأديان والملل والنحل المختلفة. وقد تكون دوائر أصغر من المذاهب الإسلامية مثل الحوار بين فصائل الصحوة العاملة على الساحة الإسلامية، وبين الأحزاب السياسية، وبين التكتلات المدنية والاجتماعية والاقتصادية بغية الوصول إلى هدف واحد وتحقيق غاية واحدة يتحقق بها صلاح الدنيا والدين.




Aucun commentaire: